موقع سالم دمدوم للقصّة والرّواية والنّقد - قول في التراث
   
  موقع سالم دمدوم للقصّة والرّواية
  كلمة التّرحيب
  المجموعات القصصيّة
  الروايات
  الخواطر
  الاتصال
  المقالات
  => قراءات في رواية سرنديب -الجزء1
  => قراءة في رواية "سرنديب"- الجزء الثاني -
  => قراءة في رواية أين جسدي
  => قراءات في المجموعة القصصية أين جسدي
  => قراءة في رواية أين جسدي
  => قراءة في رواية "موسم التأنيث"
  => قول في التراث
  => خواطر حول الشعرالشعبي
  => غدا تخلع الشمس بردتها ج1
  => غدا تخلع الشمس بردتها ج2
  => خواطر حول أقصوصة أمل ج1
  => ج1 دراسة نقديّة للمجموعة "الوطن لا يطير"
  => ج2 دراسة نقديّة للمجموعة "الوطن لا يطير"
  => ملاحظات حول كتاب "الإبل"
  => على أيّ درب يكون الرحيل
  => قراءة لرواية (خدعة العصر)
  => قراءات حول مجموعة إضمامة نساء
  قرّاء وآراء
  المنتدى
  العدّاد
  مواقع ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة 2009@ بإشراف محمّد الهلالي

 

قول في التراث


نعني بالتراث ماتخلف عن عصور ضربت بعيدا في التاريخ، ما ترسب واستقر لدى الشعوب والجماعات من عادات وتقاليد،أساليب وطرق ابتدعها الإنسان وواجه بها صعوبات الحياة واحتال بها لعيشه وحماية نفسه إزاء التهديد المستمر من الطبيعة مرة ومن أخيه الإنسان مرّات !
وإذافهو كل ما ترسب في الوعي و اللاّ وعي من أراء وأفكار ومعتقدات وعادات وتقاليد وهوكل ما احتفظ به المحيط من مباني وكهوف وأحجار وكتابات ونصب ونقود وأسلحة وأدوات وماتناقله الرواة من حكايات وأشعار وحكم وأذكار ومدائح وأساطير .وكأي منتج إنساني يظل التراث خاضعا في تكوينه لقانون التحدي والاستجابة ، وما أكثر التحديات التي تجابه الإنسان من أول الخليقة وحتى آخر الزمن إلى جانب لحظات فرح وسعادة عبر عنها رقصاوغناء واتخذ لها من أدوات الزينة ما توفر في بيئته .
وهكذا يتضح إن التراث مبحث واسع غزير المادة متشعب المسالك كثير التفرعات! ثقافة كاملة ناتجة عن تفاعلات جدلية حدثت داخل المجتمع من جهة وبينه وبين المجتمعات الأخرى التي احتك ّبها وتماس معهابشتى ضروب التماس.ويظل الشيوخ من أهلنا من أهم المصادر التي تعتمد في كل ماهو مرويمن حكم وحكايات وأزجال وأشعار وأساطير بحكم كونهم أقرب منا للأصول من جهة ومن جهةأخرى فإن مستواهم العمري أتاح لهم معايشة عقود طويلة بكل ما جرى فيها وما وصل إليهامن تراث ،ما عاشته من أحزان وأفراح وسنوات خصب وجفاف كلها تركت ولا شك بصمات جليةفي سلوكاتهم تبين كيف تعاملوا معها بطرق وأساليب التجئوا إليها لمحاولة الالتفاف على تلك الشدائد بقصد التقليل من أخطارها وأصبحت لهم عادات وتقاليد ورثوها وأورثوها
يقول الكاتب البوسني (إيفو اندريتش ):
يحزنني مجرد التفكير إن مع كل امراءةمسنة تمضي يمحى بيت من الشعر ومع كل شيخ مسن يغيب تدفن مرحلة من التاريخ هذا فياتجاه وفي اتجاه آخر معاكس نجد الباحث الأمريكي " جورج لافي ونسون " يقول :
(
ليسأخطر على الشعب الأمريكي من أهزوجة هندية تتندر بها أم أمريكية ليس أخطر على الشعبالأمريكي من تراث الهنود الحمر ..)
ومن هذا المنطلق صار من الأكيد على كل باحثفي الجانب المحكي من التراث أن ينتسب مدة من الزمن إلى أكاديميات هولاء الشيوخ للاستماع منهم وتدوين ما بذاكرتهم من موروث محفوظ إذا كان يرغب فعلا في المساهمةبجهد ما في الحفاظ على هوية بلاده وإجلاء ماضيها خاصة في هذا الزمن الذي أصبح فيه مقوم الهوية مستهدفا باستمرار من طرف قو ى عاتية تريد تشويه الماضي و (أد لجة ) التاريخ
والملاحظ اليوم أن جهودا كبيرة تبذل في هذا الميدان حيث صار التراث (البحث عنه ودراسته والمحافظة عليه ) هم كثير من الباحثين من الشباب سالكين طرائقحتى وإن اختلفت أحيانا إلا أنها تظل اتفاقا على أهمية التراث وضرورة الإحاطة به واستنطاقه، يشجعهم في ذلك نظرة وزارة الثقافة إليه باعتباره من أهم مقومات الأصالة والخصوصية والتفرد، وهو الكفيل إذا ما أجيد استنطاقه واستثماره بنحت ملامح شخصيتناوإبراز مساهمتنا في الحضارة الإنسانية.
وليس اعتماد الشيوخ وكبار السن مصدراللمعلومة أمرا سهلا كما يتبادر إلى الذهن بل لا يخلو من مزالق قد يقع فيها الباحث المبتدئ من حيث لا يدري ،ذلك أن الرواة هم دائما مصدر خطر للباحث في التاريخ والتراث خاصة ،ذلك إن الأحداث كثيرا ما تتبدل من راو إلى آخر، فقد يكون لناقل الخبرأو الأسطورة أو القصيدة نزعات خاصة به أو رغبة في تلميع صورته أو صورة قبيلتهوجعلها هي وحدها مصدر كل معرفة ومنبع كل فخار ،لذا صار من الأكيد الصبر والتأني فيتتبع هذه الروايات ومقارنتها ببعضها وعرضها على مناخل النقد الصارم حتى يتسنىالخروج بأحكام أقرب ما تكون إلى الواقع .فقد يلاحظ أحيانا في بعض الدراسات التيتناولت بعض الملاحم والأساطير تسرعا في إصدار الأحكام والخروج بنتائج لا تنسجم معالواقع ولا يستسيغها الباحث المتزن بحيث ينزاح الهدف من تنشيط للذاكرة إلى توظيف فجللتراث
والتراث ليس التاريخ حتى وإن بدا للوهلة الأولى إن كليهما يهتم بتسجيلأحداث وقعت في زمن مضى ذلك إن التاريخ في الغالب مسيس وكثيرا ما عكس نظرة المنتصرطامسا عن قصد أو غير قصد رؤية الآخر .ثم إنه يتعامل مع الوقائع كأحداث متحركةمتلاحقة ترتبط عادة بالتيارات السياسية المتصارعة بينما التراث هو ما ترسب عن حركةالتاريخ من عادات وتقاليد ومواقف وطرائق حياة تواضع الناس عليها فأصبحت لها قوةالقوانين أحيانا .
صحيح أن التاريخ يظل في أحيان كثيرة حاضنا للتراث باحثا عنهمدونا له كما أن التراث يكون في كثير من الأحيان أهم مصادر التاريخ وأكثرها صدقا بلكثيرا ما ناقض التاريخ وصحح المصادر التي اتفق الباحثون قديما على اعتبارها مصدراللمعلومة لا يرقى إليه الشك وأحيطت بهالة من التقديس على اعتبار أنها كتب منزلة لايرقى إليها الشك وعند البحث والتدقيق تبين إن الحقيقة الثابتة ما تضمنته الآثار لاما ذهبت إليه تلك الكتب !
ومن اسطع الأدلة على ذلك المعركة التي قامت بين علمالآثار المصري ومقولات التوراة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حولتحديد عمر الإنسان على الأرض بحيث استطاع علم الآثار أن يقوض ما ذهبت إليه التوراةالأمر الذي اقتنع به اليهود بعد مكابرة وعناد استمر ما يقرب من قرن من الزمان
وهكذا يتضح نوع من التقاطع بين التاريخ والتراث و الأدب والاجتماع والأديان ممايجعل العلاقة بينها لا تخلو من الالتباس أحيانا ،ولو تأملنا جيدا في العاداتوالتقاليد وحتى الأساطير لوجدنا أنها كثيرا ما تكون متشابهة إلى حد كبير لدى كثيرمن الشعوب .
وفي هذه النقطة بالذات لا نتفق مع الباحث (غالي شكري) الذي يرى إنالتراث أبعد ما يكون عن التجانس . فإن الباحث المتأمل يلاحظ أحيانا تشابها واضحا فيكثير من العادات بين بعض الشعوب
1 -
فقد شاهدت صدفة شريطا وثائقيا يسجل عاداتأهل التبت في الزواج (الجزيرالوثائقية)وأدهشني إن مراسم نقل الفتاة إلى بيت زوجهاتكاد تكون هي تماما عاداتنا نحن في الجنوب الشرقي التونسي حيث نشاهد العروس يحملهاأحد أقاربها ويركبها وسيلة النقل المتوفرة (حصان ،بغل ،جمل ) ونلاحظ أن الفتاة تبكيووجهها محتقن والدموع تنهمر من مآقيها ثم بعد أن تستوي راكبة يعطونها الماء والشعيروالحنطة فتأخذها بيدها وتنثرها في جميع الجهات ،وهو بالضبط ما تقوم به العروس عندناعندما كانت الأعراس تقام على الطريقة التقليدية ! ونثر الماء والأرز هناك والماءوالحنطة والشعير هنا في مجتمع فلاحي بالدرجة الأول تفاؤل ولا شك بالخصب والأمطارإلى جانب رموز أخرى يضيق المجال على حصرها في هذه الخواطر فأين نحن من التبتجغرافيا ؟!
2 _
كان من تقاليدنا أيضا ونحن أطفال أذا أسقط أحدنا سنا من أسنانهفأن أمهاتنا تأمرنا بأن نلقيها إلى الشمس ونقول لها:خذي سن الغزال وأعطني سن الحمار،وتكتب الباحثة المصرية (ميرفت عبد الناصر )في جريدة أخبار الأدب عدد:320 / 29أغسطس 1999 هذه الأغنية المصرية القديمة :
يا شمس يا شموسه
خذي سن الغزالوهاتي سن العروسة
خذي عتمه وجيبي نهار
وإذا كان زعلان اديلو بوصه.
3 -
كذلك نجد تشابها بين كثير من الحكايات والأساطير بالرغم من تباعد الشعوب التيأنتجتها فحين نتأمل أسطورة ( الجاموس وفار الحقل) مثلا وهي حكاية من حكايات الهنودالحمر* فإننا نجد لها مماثلا في رصيدنا الحكائي يشبهها تماما حتى من حيث الشخوصزيادة على الغايات التي تتغيا ها الحكايتان حيث تقول الحكاية عندنا :إن ثورا داس عشقبرة وقتل جميع فراخها فشكت أمرها لبقية ذوات الأجنحة ،فوعدها الذباب بأن يثأر لهامن الثور المتعجرف ،بشرط أن تكلف أحد الجوارح بجرحه قي مكان من جسمه لا يصل إليهذيله !
تدبرت العصفورة أمرها وكلفت من قام بالمهمة . عندها جاءت أسراب الذبابوباضت في الجرح فتعفن وقضى على الثور قي النهاية .
أما حكاية( الجاموس وفارالحقل ) فخلاصتها :إن الجاموس أعجب بقوته وأراد الاعتداء على مناطق الفار وحرمانهمن مصادر عيشه،فتصدى له الفار ودخل في أذنه وصار يعبث بها نهشا وعضا حتى كادالجاموس يجن وأقر بهزيمته !
واضح إن الأسطورتين تقولان نفس المقولة :القويالمتعجرف يهزمه الضعيف المظلوم إذا عرف مواطن الضعف في خصمه واستغلها استغلالا جيدا !كما تظهران بجلاء ما للتراث من دور في بناء شخصية الشعوب وحثها على حب أوطانهاوالدفاع عن مصالحها وعدم الاستكانة أمام العدو مهما كان قويا . وهي ثوابت وعتهاشعوب كثيرة فقادتها إل النصر في النهاية .
لو أردنا البحث عن أمثلة أخرى لهذاالتشابه لمدتنا المصادر في هذا المجال بنماذج كثيرة غير أننا نرى قي ذلك إطنابا غيروجيه في مثل هذه الخواطر التي نريد بها ملامسة خفيفة لهذا العالم الصاخب بالأحداثوالرموز والثري جدا بالدروس والعبر التي ترسبت عن مسيرة الإنسان عبر تاريخه الطويلعلى الأرض فاحتضنت ماضيه وبشرت بمستقبله حتى صار بالإمكان القول :
(
لعل فيالحكايات الشفوية والمكتوبة يكمن تاريخ البشرية الحقيقي ،ولربما كان بإمكاننا أننقف من خلالها على فحوى هذا التاريخ والتكهن به ،وذلك بصرف النظر عما إذا كانت هذهالحكايات تعالج الحاضر أو الماضي .. )
فالتراث حينئذ هو الجمرة الغافية تحتالرماد، البذرة التي نجت من أعاصير القحط والجدب التي عملت وما زالت تعمل على قطعالحبل السري بين الشعوب وأصالتها لتمزيق انتمائها ليسهل ابتلاعها! وعلينا أن ننفخفي هذه الجمرة حتى تتأجج وأن نتعهد تلك البذرة ونوفر لها مستلزمات النماء حتى تستويشامخة متحدية كما هي دائما ،وذلك ممكن بالتأكيد ،فليس التراث جنة ضائعة ولا هو بعيدعنّا "نحن التراث ، وهو ما فينا من قيم تغنَى بها القدامى والمعاصرون ، وهو أيضا مافينا من طوق وإصرار ومضي .إن تغيرت الأزمان وتبدلت الأحوال وملأ الغرب الدنيا وشغلالنّاس فلا تميز لنا إلا إذا هبت علينا رياح التأصيل ...وإن رمت التميز لا مناص لكمن التراث تستنطقه والثقافة العربية تقلب فيها النظر وإذا بك تهدم مسلمات ،وإذا بكتكتشف عوالم ! " فهو وحده إذا ما تحذّرنا فيه ينقلنا من ذلة المحاكاة والترديد إلىعزة الابتكار ،حيث يمكننا مشاركة الأمم الأخرى إبداع القيم الفكرية وأشكالالفن.
سالم دمدوم
بنقردان في‍‍1352008
 
زار الصّفحة اليوم (زائر) 2 visiteurs
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement