قراءات
" أين جسدي "
مجموعة قصصية لعبد العزيز بن ضيف الله
أنت جالس في حديقة نزل بضواحي " براغ " تغمرك السعادة ،وأمامك وردة على الطاولة ،وبدلا من كتابة قصّتك المنثورة تتأمّل الحشرة الراقدة في قلب الوردة. أبولينير ، كحول .
حين ننظر إلى مدينة الفن من بعيد تبدو لنا لأول وهلة كما لوكانت محاطة بالحصون ، لكن عند الاقتراب منها، نجد أن ما نراه أبوابٌ لا أسوار ! والدعوة قائمة للدخول .
هكذا قرّرت أن ألبي الدعوة ،وألجُ عالم( أين جسدي ) ! ماأن تأملتها حتى وجدتني تلقائيا أتذكّر قولة " لمشيل فوكو " نصها كما يلي :
" ... أحلم بمثقّف هدّام للقناعات ، مثقف يكتشف في عطالة الحاضر وإكراها ته نقاطالضعف والشقوق ونقاط القوة ... "
وعلى ضوء هذه القولة ، أحاول التعرف على كاتبشاب هو عبد العزيز ضيف الله ،من خلال مجموعته القصصية الأولى " أين جسدي "
لميكن هدفا لي أن أنقد المجموعة ، أو أن أصدر أحكاما بشأنها ،أترك ذلك لغيري بناء علىكرهي الشديد الذي يبلغ حدّ القرف أحيانا، لإصدار الأحكام القاطعة على أي نص إبداعي،يكتسب قيمته في الغالب من صميم حميمييته مع مبدعه ، و خاصة إذا كان نصّا مراوغايتستّر بالسخرية و"التغابي" كنصوص هذه المجموعة
وكثيرا ما دفع الغرور بعضالنقاد، إلى مطبات كادوا يسقطون بين مدا رجها في مساقط السخرية، فأظهروا وتحدثوا،عن أفكار وتصورات ،وأصدروا أحكاما كانت بعيدة عن مقاصد الفنان .
يحكى أن ( بولفاليري ) الشاعر الفرنسي المشهور، وعضو الأكاديمية الفرنسية، استمع ذات يوم ف إلىناقد تناول قصيدته المشهورة ( المقبرة البحرية ) بالنقد والتحليل ، ثم طُلب منه بعدذلك إبداء رأيه فيما سمع . فكان تعليقه- بعد أن أبدى اعترافه ببراعة الناقد وسعةخياله ومهارته- ما معناه: أن ما ذهب إليه الدارس بعيد كل البعد عما قصدت ،فقد اتجهإلى أغراض وتناول مسائل لم تخطر لي على بال...
يقول " ت . س . اليوت ، في كتابه " أفاق الفن " :
إن الناقد الذي يجعل همه إصدار الأحكام والذي يثابر على النقدبدلا من محاولة الفهم ،يشبه رجلا يحمل عصا وهو وحده في الحديقة يقطع بها رؤوسالأعشاب والأزهار على السواء . إن كل عمل فني ذي أبعاد وغوامض يعرّضه هذا للخطر ."
ويقول في مكان آخر :
الرجل الذي يجرؤ على تأويل عمل فني عليه أولا أن يخضعذاته دهشة وامتنانا لفكر الفنان.
ومن قبل هذا كان " سانت بيف (Sant Bévue ) يرى: أن النقد " هو أن تعرف كيف تقرأ كتابا قراءة جيدة ، دون أن تتوقف لحظة عن تذوقه" ...
إزاء هذه التحذيرات الكثيرة ، التي يصدرها أساطين النقد قديما وحديثا ، سوفأربأ بنفسي، عن محاولة التقييم ،وإصدار الأحكام وسأعمد فقط إلى محاولة قراءة هذهالمجموعة أو بعضها على الأصح ،قراءة ربّما تقترب من تلك القراءة التي يشير إليهاسانت بيف .ولا أظنها سهلة أو ميسورة لكثير من القراء، فما كل من تصفّح كتابا قارئ ،وما كل " دكتور " قادرا على دك حصون الأثر الأدبي والوصول إلى لبّه ومراميه "، فماكل من كـور العـمامة فهّامة ! " .
وحينئذ ،فليكن واضحا ،أن ما أسطّره في هذاالشأن لا يعدو أن يكون محاولة للقراءة أولا، وللفهم ثانيا، ولا شيء غير ذلك .
* قبل البدء :
لا أريد أن أصف المجموعة وصفا خارجيا ولا إحصاء عدد صفحاتها،ونصوصها ،وما إذا كانت خالية من الأخطاء ،أو تفتقر للأناقة وجودة الطباعة ،فهذهأشياء شكلية ،ولا ترجع إلى النص، ولا إلى إرادة المبدع ،ولا أعتقد أن لها قيمةكبيرة، هذا بالرغم من أنـها " الأخطاء خاصة "، كثيرا ما تكون معوّقا هاما، أمامالقراءة، وهي في نصنا هذا تصل أحيانا إلى حدّ إهمال الخبر ،من جمل اسمية تتطلبهضرورة ...
* المنطلق :
من يم الحياة اليومية : من زبدها وموجها من صخورهاورمالها ، أزهارها وأشواكها ،من حياة أناس عاديين ،نعيش معهم ونراهم ، منانكساراتهم وطموحاتهم أمالهم وأمانيهم ، من توقهم إلى ما يرغبون ، وعجزهم عن تحقيقالأجمل والأفضل الذي إليه يطمحون ، نفاقهم وصراحتهم ، طهارتهم وخطاياهم، من كل ذلكتنشأ هذه النصوص ، وبرفق وبساطة تأخذك معها ،مستسلما مبهورا محلقا في سماء الغريبحينا ، ومتخبطا في وحل الواقع أحيانا ، مجنحا في سماء الغريب ،حيث تشهد وتعيش معأبطالها حياة أخرى، ينهد فيها المألوف ،وتنكسر جدران المنطق ،وتنشأ جدلية أخرى بينأشلاء الأشياء ،والأشخاص والأضواء والضلال غير ما تعودت وإذا أنت مع الرجل الذييخاتل مجموعة شباب تعودوا سرقة " اللاقمي " متسـلحا بسوط ( حديدا ومطاطا ) وإذا فيلمح البصر ،يهجم الغريب على الواقع، فيفتته وينفيه ... وإذا آدم وحواء لم يمنعهمااختلافهما ( إنس وجان ) من ارتكاب الخطيئة الأولى! وإذا صاحبنا في النهاية قد أصابهمس وناله عقاب من زوج إحدى بنات " سمسمه " التي أغوته فمارس معها الحب ،مدفوعا بذلكالتوق الذي لا يفتر لضاه أبدا، في كل ذكر وفي كل أنثى، من يوم أن خلق الله الكون . وإذا" هدية " عيد فرعون لصاحبنا، تعنيف شديد وتوعد بمزيد الأذى، من زوج الجنيةالمطعون في " شرفه " وإذا أساليب العلاج تحيل على المورثات والتقاليد البالية التينسخر منها جميعا ،ولكن كثيرا ما تصادفنا في حياتنا وتسبب لنا كدرا حقيقيا وإرباكاشديدا !
هل ترى التمائم والعيساوية والحضرة تجدي نفعا ؟ وهل ناج من العقاب منتجرأ على النواميس وأراد التطلع إلى أبعد من مداه ؟ "
إذ تحيل هذه الأقصوصة علىموضوع الجن ،وعلاقتهم بالبشر، فإنها تفتح بابا واسعا، من الشك والحيرة وحتى الإيمانوالإلحاد .. وموضوع الجن في حياتنا نحن الشرقيين ،موضوع شائك مطلسم، ما تزال معالمهغائمة ملتبسة غامضة وإذا نحن إزاءه ،في منتهى الحيرة والشك والعذاب ،بتنازعناتياران عاصفان ، نصدق ونقرّ بالعجز أم ننكر ونشك ؟ .!
حتى الذين أصابوا منا خطامن علم ،يفترض أن ينير لهم سبل الحياة ،ما ظفروا بغير الشك والعذاب، في مواجهة هـذاالإشكال ...!
ومن أبواب الغريب الكثيرة، ينفتح باب آخـر، يبتلع فاقد الظل .وإذااعتماد الغريب طريقة مخادعة وملتبسة ورؤية جديدة ،من زاوية أخرى إلى أنفسنا ،أحـلامنا قيمنا حياتنا اليومية ، أوضاعنا العادية ،وما فيها من إرباكات وإشكالاتغطتها عوامل الرتابة والتعود والمألوف ،فحجبت عنا ما فيها من مفارقات وعذاباتأحيانا ...
قلة من الناس ،تتوفر لهم هذه الخاصية التي ( ترى القرادة على خاصرةالجمل قبل أن ترى الجمل نفسه ). فتلحظ في العادي والمألوف، عجائب وغرائب يمكنالتوقف عندها ،وتسجيلها، ومعالجتها، بأساليب يمتلكون هم وحدهم أبجديتها فإذا " منحلّ الصرة لا يجد خيطا فحسب " بل طلاسم وأحاجي ومشكلات جديرة بالبحث والتأملوالوقوف عندها طويلا .
يالها من فضاعة ! يالها من سخرية أن يسبب لنا فقدانالأشياء التي نراها تافهة في حياتنا، وقد لا نلتفت إليها بالمرة ،كلّ هذه العذابات،التي تصل بنا إلى حدّ فقدان عقولنا وإيداعنا مستشفى المجانين .
في المخيالالشعبي ،وفي أحاديث السمّار المجنحة أحيانا ،في سماء الغريب نعثر على من نسي اسمه،أو نسي زوجته في محطة السيارات ،أو لبس بعض ملابسها ليلا ،فإذا هو في الأسـواقصـباحا ،مصدر سخرية مرة ... أما أن يصل الأمر إلى حدّ أن يفقد الإنسان ظلّه فتلكغريبة الغرائب و " درة يتيمة " حقا ، ولا بد للقارئ أن يتساءل :
ما هو " ظلّنا؟ "
هل هو " نحن " الآخر، المستتر فينا، هل هو طموحنا نزوعنا إلى الأجمل بذرةالألوهة فينا، تلك التي تجعل بحثنا عن الكمال لا يبلغ مداه . ذلك " النحن " المكبوتالمقيد بسلاسل من الواقع والأوهام .
ربما يستطيع أي منّا ،لو جلس يوما ،وقارنبين ما كان يحلم أن يكون، وبين ما هو كائن فعلا في الحياة اليومية، لظهر له مدىخيبة الأمل، وانكسار الطموحات، ولا أعطى الحق ،كلّ الحق، للظل في أن يهجره بلا رجعة .
حين يهرب ظلّنا ماذا يبقى فينا ؟
الهزيمة ، الانكسار والخذلان ،والإحساسبالدونية وننحشر في زمرة الضعفاء والمقهورين ،الذين يسخرون من أنفسهم، كلما خلَوْاإليها، حينا ،وحينا ينالونها بالجلد والتوبيخ والتقريع الذي لا يرحم .
يالها منفضاعة، أن يكون بحثنا عن ظلّنا المفقود توقنا وطموحنا ) مدعاة للمطاردة والمساءلة ،فإذا نحن خارجون عن القانون، وأن حراسة شديدة تترصدنا، وإن كل من نعرفهم ،ونحاولالالتجاء إليهم، معرضون للمساءلة ومطالبون بالتنكر لنا، وعدم مساعدتنا، واتخاذ صفةالمخبرين عنا وإمضاء الالتزامات ... لقد أصبح الذين نعدّهم عونا لنا في مأساتناعبئا علينا ... ألا يحدث هذا في كـثير من بلدان غـير بعيدة عنا ؟!...
في غضونحيرة فاقد الظلّ، يبدو أنه بدأ يفقد ثقته بالأحياء، فأصبح كثير التردد على المقابر،وفي سكينة القبور، التي كانت دائما مضرب الأمثال في الصمت، نجد أصواتا ناطقة بلسانصدق حكيم . فكل قبر لو حكى قصة حياته، لوجدنا فيها مثالا وعبرة ، ولا أدري هل كانموقف أهل القبور في جانب فاقد الظل، أو هو منتصر للظلّ ... كأني بأهل المقبرةيقولون :
صحب الناس قبلنا ذا الزمان وعناهم من أمره ما عنانا
وتولوا بغصةكلهم منه وإن سر بعضهم أحيانا
يكاد يلامس مشهد المقبرة هذا، شريطـا سينمـائيامتخيلا، تبـدعه " أحلام مستغانمي " في روايتها " فَوْضَى الحواس " إذ يعمد أستاذ فيالشريط، إلى تحريض تلاميذه، على التمرد على القواعد والقوانين، والمقاييس القديمة،التي تعارف عليها السابقون، في النقد وفي الحياة على السواء، والنظر إلى الدنيابرمتها بمنظار جديد ومن زوايا جديدة وبأن يكونوا كفتية أبي نواس :
" وفتيةكمصابيح الدجى غرر شمّ الأنوف من الصيت المصاليط
صالوا على الدهر باللهو ..."
وإذا هذا الأستاذ يقول لهم ( لتلاميذه ) وهو يعرض عليهم صورا قديمة لتلاميذقدامى، درسوا في هذا المعهد يوما :
" كل الذين ترونهم في هذه الصور، بهيأتهمالرياضـية، التي تشبه هيأتكم و عنفوان شبابهم، الذي يشبه عنفوانكم، بطموحاتهمالكبيرة، وآمالهم العريضة، وثقتهم المطلقــة في الحياة، كما هي ثقتــكم ، جميعهمالآن عـظـام نخـرة ،تحـت قبـور فاخـرة أو متواضعة . لقد ماتوا كما ستموتون ... "
يقول فاقد الظل: إن هؤلاء الموتى جميعهـم عاشـوا آلاما مشابهة لآلامـنا و سعدواو تعسوا و ماتوا !
هكذا ينفتح المشهد في ختامه، على هذه المأسوية المروعة للمصيرالإنساني :
الموت ... هذا ما تقوله المقابر .
قد ينقلب فاقد الضل إلى داعيةللإسلام ... و هكذا يتّخذ إسلام بعض الناس خيمة يستظل بها الفاشلون. كثيرا مانلحظهم هؤلاء الفاشلين المتحذلقين و قد تحولوا إلى نصابين يصطادون الأغبياء، بإدعاءالصلاح و الشعوذة، و ترويض الجــان، و إدعاء الطـب، و معالجـــة الأمراض المستعصيةعــلى التشخيص العلمي ...
هكذا تتبعنا بعض أحداث الغريب، وظهر لنا أن هي إلاأقوالنا وأفعالنا وذواتنا وإذا به يلقينا مباشرة إلى اليومي والمعتاد، وإذا هذااليومي و يا للغرابة أشد إربـاكا من الغريب، وإذا نحن في منعطف من مدينة ، منعطف لاغير ليس حيّا ولا شارعا ولا ساحة ، إنه مجرد منعطف ...
ليس غريبا، أن يعلق قارئعلى هذه القصة، بأنها مجرد جذاذات وبسائط لا رابط بينها ... و أنــها لكذلك حقا، لونظرنا إليها نظرة سطحية متسرعة وغير واعية .
لنتجاوز إصدار الأحكام، كما ألمعتفي بداية حديثي هذا، ولنرجع إلى شيء من التواضع والفهم قبل ذلك، فهل تراني فهمت هذهالأقصوصة، بأخبارها الكثيفة الموجزة، المربكة، المخادعة: أطفال يكتبون خبائث علىالجدران ، نساء يتركن عطرهن يتسكّع في الشارع ،يقرأن الكتابات ويحسسن ( القشعريرة )، أخريات تذّكرهن الكتابة أماني وأحلام، فيضحكن في عبّهن ، يتفاقم الأمر ويصل إلىالإمام فيخصص خطبة الجمعة لمعالجته ، يخرج المصلون بعضهم يتحدث فيما قاله الإمام ،وبعضهم مشغول بتجارته، والبعض الآخر رأى أن الوقت مناسب، لزيارة بعض الصديقاتوالصديقات في لغة المدينة المنافقة، تعني العشيقات ؟ الكتابات على الجدران تتفاقموتضاف إليها رسوم، وتمهر الرسوم بأسماء، ويشتدّ حنق رجال المدينة، ويستنفرون قواهملمعــالجة الحــدث، ويعمد الصـغار إلى التحــدي والمجابهة، و يكتـشف أهل الحـل والعقد، أن التصعيد لا يجدي، و يفضلون اللجوء إلى الانفتاح عــلى الصغار ويعمدون إلىالحوار. و في حلقات الحوار، ينكر الأطفال أنهـم كتـبوا هذه الخـبائث الفاجرة ويلصقون التهمة بالكبار، و يَدْمَغُونهم بالحقيقة المرة،التي تفضح نفاقهم ورياءهم : "هذا ما تعودتم أنتم فعله في الخفاء ! "
ما أجمل و أرشق أن يقول الكاتب : حينأنهى الرجال اجتماعهم، كان الليل قد عسعس، لكن البدر كان قد بدأ يلقي بنوره على قممالمباني ... و جميل أيضا أن يقول الكاتـب أيضا ما معناه أن الأطـفال كانوامسـتبشرين بذهاب الكــدورة من الشارع ! ...
عسعس ليل الكبار، أصرّوا على النفاقو التردي، وطـلع البـدر، بدر النـقاء و الصراحة و الوضوح .
هذا أو شيء قريب منه،إذا أجدت القراءة، واستطعت الفهم لبعض ما يقول الكاتب .
إن ما ذكرته عن هذهالأقصوصة، ما هـو إلا " غيظ من فيض " فالقصّة مثقلة جدا بالإشكالات والأطروحات،ويكاد كلّ فصل من فصولها الثمانية، يحيل على فصول و فصول . فكلّ منا في حياتنااليومية، يتعامل مع الأشياء لا حسب المنطق والحكمة،ولكن حسب الأهواء والحماقاتوهكذا نحن مأساتنا أحيانا، إننا نفكّر بحكمة ونتصرف بحماقة.ففـي حين يتصـور القـطأن الورقة فار فإن أحد " الفئران " البشرية تحيله صورة الورقة التي تعبث بها الريحعلى تكسر راقصة البالي الأسيـوية و تثنيها ، هذه التي زارت المدينة الشهر الفارط .! أي طرافة و أي تهكم، و أي جوع .." جوع لآخر جوع يمد اليدا ...(1) "
و كم تكـونحياتنا اليومية برمتها:بمخاتلا تها و أكاذيبها، و نفاقها طريفة، لو استعملنا عندتأملها، عدسة مكبرة ساخرة ،مثل التي نظر بها الكاتب نظرته تلك و قلما ضاحكا ساخرامثل قلم الدوعاجي، أو قلم كاتبنا . إذن لسهرنا منها الليالي ! . و لكنا من جملةروّاد درب التوّاقين، والمقـيمين فيه باستمرار الحالـمين و المتلهفين على ظـهورهـذه الغادة التي تـدوّر كل شـيء فيـها
( ...و الذي كان قبل عامين صغيرا قدتـدور وتكور...
صرت أحلى ... صـار عمري سبـع عـشر ...
و صرت أنت اللعبةالكبرى لديّ !."
كلنا الفتى الرجاف !... ما أروع هذا الاسم و أجمله فـي مكانه ! . من منّا لم يصب يوما بسعار هذه الرجفة ؟! لكن إذا كانت زهرة عباد الشمس راجفةعاشقة هي الأخرى منجذبة دوما إلى شمسها ، تضحك لها و تغازلها حتى إذا غابت عنهاأصابها الاكتئاب و الكدر، فلّمت بتلاتها، و نكست رأسها و انكفأ جمالها فما حالنانحـن التواقين؟! ...ما هي شمسنا هذه التي لا نريد من العلم " غير العلم بها" هذهالتي تغري الذكور و الإناث على السواء،هذه التي يكون العجز عن إدراكها إدراك، هذهالتي يحتكرها شيوخ العلم يظنها كل واحد منهم أنها أخلصت له ، هذه التي يخشاهاالوالي أن تكون فتنة العامة، فينكشف من سره كل مستور!...
من تكن هذه التي مناوفينا ولم تغب عن مدينتنا يوما وكلنا إليها تواقون وبها حالمون؟ .
نتمنى وفيالتمنّي شقاء وننادي يا ليت كنا وكنا
ونضحك في سرنا للأماني والأماني في الجهريضحكن منا
وإذا كانت الأماني خادعة غدّارة فالحقيقة عابرة سبيل قلّ أن يحتويهامكان أو يعترض طريقها زيف أو بهتان .
هكذا تبقى الحقيقة والأماني وحب الحياة حلم يراود نزلاء درب التوّاقين وكل يحلم بلقاء !...
آه لو منحت الأيام ذلك اللقاء ... وتبقى الآهة غاية ما نخرج به ، كفنا يلف جثث أحلامنا و انكساراتنا وحسرتنا ...
( ها و ... واركزي على الرملة ).
صدى عائد من زمن الصبا يضرم في سكون شيخوخةالرجل لهيب الأسى والحنين ولسان حاله يردد: ليت الشباب يعود يوما ...