موقع سالم دمدوم للقصّة والرّواية والنّقد - قراءات حول رواية خبر النقيشة
   
  موقع سالم دمدوم للقصّة والرّواية
  كلمة التّرحيب
  المجموعات القصصيّة
  الروايات
  الخواطر
  الاتصال
  المقالات
  قرّاء وآراء
  => من ضد من؟ الوجع
  => المشروع السردي في رواية خبر النّقيشة
  => قراءات حول رواية خبر النقيشة
  => خربشات على خبر النقيشة
  المنتدى
  العدّاد
  مواقع ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة 2009@ بإشراف محمّد الهلالي
قراءات حول رواية خبر النقيشة لسالم دمدوم
            
                                          بقلم فتحي جميل
في رواية خبر النقيشة أكثر من قصة . ففيها قصة القصة يرويها من يوهمنا بأنه مجرد ناشر لأوراق متناثرة لا صلة بينها ، وفيها قصة في هذه الأوراق نفسها .والحقيقة أن في الأوراقالمنشورة أكثر من قصة . وإن كان الكاتب قد قصد في النهاية إلى جعلها قصة واحدة . إن قصة القصة هي مجرد إطار تبدأ به الرواية وتتخلله وبه تختم في شكل تعليق صغير { إلى هنا تنتهي هذه الوثائق . ويلاحظ أن بآخرها أسطر مشطوبة وتاريخا غير واضح . انتهى . }ص 144 ولهذه القصة وظيفة إيهامية ، وأول ُمظاهر الإيهام وأهمها ادعاء الكاتب حياده وبراءته من اختلاق الوقائع الروائية . فقد ادعى الراوي الأول ـ وقد أوهمنا الكاتب بأنه هو نفسه ـأنه عثر على ملفي سيارته دون أن يعرف مصدره . فلم يكن هو من اخترع القصة . ، وإنما القصة هي التي أتته وتعثرت به (ص9) . فقصة القصة تبرئ ساحة الكاتب من الاختلاق " هذه الأحداث التي أرويها أيها السادة لا تخصني ولا دخل لي فيها على الإطلاق" (ص 9)، وهي توهم بأن هذه الأوراق وثائق حقيقية ٌلا مختلقة ٌ، وبأن ما في ملامح شخصيات الأوراق من غموض وتناقض حالة ٌ واقعة ٌلا يمكن من باب النزاهة التصرف فيها ( أقدم لكم أوراق الملف ورقة ورقة ـ مبقيا على ما فيها من غموض وتداخل في بعض الأحيان (ص 12). وفي نطاق بناء التنوع ودعم الإيهام تتنوع مقومات القص فيتنوع الرواة والشخصيات والأزمنة والأمكنة معتمدة على ما في الملف من أوراق ٍمختلفة ٍووثائق متنوعة ، ٍوهذا الملف الذي ورد الراوي َصدفة ليس رواية بالمعنى الفني المتعارف علية . بل هو ملف شخصي . ولعل هوية هذا الملف هي ما شرع للمؤلف في نطاق الإيهام الفني أن يجعل روايته قائمة على التنوع في الأجناس والأنماط . فالملف الذي ينشره الراوي الأول هو عبارة عن أجناس مختلفة متباينة : وثائق وأخبار وأحاديث قصصية وسير واعترافات وإقرارات وخواطر وأخبار صحفية وتعليقات ومذكرات وغيرها من أجناس الكتابة . وفي نطاق هذا التنوع الإجناسي ينوع المؤلف أساليب الكتابة في براعة لا تخفى . فأسلوب الوثيقة مختلف عن أسلوب الخبر القديم وأسلوب التعليق مباين لأسلوب الخاطرة يقول الراوي الأول في تعليق صغير :"...هذه الوثيقة بدت لي لأول وهلة لا علاقة لها بهذا الملف ولا صلة لها بأحداثه . ولكني لما تصفحت الملف كله وجدت إن اسم المرأة شهرزاد والمشروع يترددان في كثير من المناسبات ، ولذلك وتبعا لما تقتضيه الأمانة أبقيتها كما هي "(ص 43) .ويرد على لسان الموصلي في خبر يشبه أخبار" الأغاني ": دعا بالرجل فإذا هو أشعث أغبر يابس نحيل الجسم طويل اللحية لا يستره غير بقية ثوب تمزق بعضه فوق جسمه اليابس..." (ص59 ) . ويرد في نص مقتطف من خبر صحفي : " تم العثور على الصندوق الأسود بالطائرة من طرف أحدى البواخر العاملة في المحيط الهادي (...) كما بلغنا أن الدكتور مسعود أصيب بما يشبه الانهيار العصبي إثر تلقيه خبر وفاة زوجته الدكتورة علياء أحمد " (ص 37 ) .وبهذا لأسلوب ( الحر بائي ) المتلون بتغير جنس الكتابة كانت رواية خبر النقيشة أقرب ما يكون إلى الرواية الجديدة التي تتأسس على التنوع والتباين والفوضى والغموض وتنزع على جعل المختلفات متآلفة وإلى تقديم الوقائع الروائية بطريقة مشوشة وأصوات متباينة لا نظام فيها . وهو نهج في الكتابة عرفناه في بعض الروايات العربية ك " البحث عن وليد مسعود " لجبرا إبراهيم جبرا مثلا . و" ذات" لصنع الله إبراهيم خصوصا وغيرهما . ويبدو إن مؤلف خبر النقيشة قد جعل روايته بهذا التنوع ابنة لعصرها عصر التنوع والتناقضات وتضافر الأجناس وعصر الفوضى والجنون والأوهام .
وكما أقيمت الرواية على تنوع القصص وأجناس الكتابة أقيمت على تنوع الفنون وتجاورها وتحاورها ففيها فن الأدب قصا وإخبارا وشعرا ، فن الموسيقى يعلمها إبليس الموصليَّ فيعزفها ، وفن الرقص تؤديه جارية إبليس ذبالة وجارية الأمير الأندلسي عندريس وفن المعمار وفن الرسم تشكلهما لغة الوصف تشكيلا فكأننا نرى القصر السحري الذي ظهر في أحلام البطل ، وكأننا نشاهد تعاريج هندسة الروح كما شكلتها قلوب الرجال " في فضاءات القلب والوجدان " (ص 47 )
وبقدر ما اجتهد سالم الدمدوم في الإيهام بحياده اجتهد من وراء سجف الإيهام في تصوير الوهم الذي يعيشه بطله فيعصف بقلبه . فالدكتور مسعود اللّفتي الذي نراه في أوراق أخرى من الرواية رجلا مجنونا يسمى أحمد عنبة يعاني من مطاردة امراءة وهمية كانت جارية أندلسية فاتنة تسمى طليطلة تراءت له في حلمه الأندلسي ثم ظهرت له خلال جولة سياحية في قصر تراثي بديع في شكل دليلة سياحية ماكرة تشبه دليلة نزار قباني في قصيدة (غرناطة ) ثم طهرت له جنية تغازله في غرفة فندق بهاتف جوال في شكل جعل وبعطر من رائحة الخزامى ساحر وتشكلت له أحيانا أخرى مديرة فندق أرملة تسمى "نجاة " تسحره بلمسة اليد وبأحزان قديمة . وبهذه الأوهام يخرج الدكتور المهندس والمختص في الاستشعار عن بعد والدراسات التخاطرية عن طوره فيتحول الناس عنده إلى حمير وبغال وثيران (ص 74ـ75 ) ويعيش رعب مطاردة المرأة الشبح وتهديداتها بالقتل .إن ما في شخصيات الرواية من تشويش وتحول في الهوية والاسم والزمان نتيجة حتمية لغرابة الملف الذي تعثر بالمؤلف أو تعثر المؤلف به، لكن القارئ يدرك أن وراء الإيهام مقاصد بعيدة قد لا يكون من اليسير تبينها وقد امتزجت مقومات القص وتنوعت القصص والشخصيات تنوعا يكاد يخفي هذه المقاصد .
ولعل قراءة الرواية في ضوء الصراع بين الثنائيات يمكن أن تؤدي إلى الخروج ببعض النتائج التأويلية .ففي الرواية صراع بين ثنائيات ، وهو صراع متعدد الأوجه يتجلى في الشخصيات وخطاباتها وفي الأحداث الروائية وفي الأمكنة والأزمنة ، صراع بين الآلة والعاطفة الإنسانية وصراعا بين الجمال والقبح وصراعا بين العلم والخرافة وصراعا بين الواقع والحلم ، وصراعا بين المادة والروح ، وصراعا بين التراث والحداثة الغربية ، وصراعا بين العقل واللاعقل .
تتصارع الآلة في شكل حواسيب وهواتف نقالة وفضائيات مع العاطفة الإنسانية التي تضاءل شعورها بالفن بسبب هذه الآلة الصماء " تجتاحني أحيانا لا مبالاة غريبة . لم يعد لأي شيء طعم : لا الشعر ولا الفن ولا الموسيقى (...) تحاصرني الآلة من كل مكان"(ص 17) ويتصارع جمال الطبيعة والمعمار الموروث والعلاقات الإنسانية والعطر السحري مع قبح الهاتف الجوال الذي اتخذ صورة جعل( ص 67) ويتصارع العلم الذي ينتمي إليه الدكتور مسعود وصديقته شهرزاد الباحثة البيولوجية مع الخرافة التي تجسدها طليطلة الجنية المتحولة عبر الزمان والمكان . ويتصارع واقع الدكتور تحكمه اللامبالاة والقلق والفراغ ومآسي الموت وفقدان الأحبة مع الحلم الذي كشف له جمال الطبيعة والفردوس المفقود والموسيقى السحرية . ويتجسد التراث كما جسدته النقيشة الغامضة التي عثر عليها في الخرائب الأثرية مع الحداثة الغربية كما جسدتها الهواتف المحمولة الملعونة والحواسيب والفضائيات وكما عبرت عنها مواقف الخبراء الأجانب الذين رأوا في النقيشة النفيسة فلكلورا يصلح للمتاحف لأنه مجرد " خرافات وشعوذات ولا فائدة تاريخية لها . علاوة على كونها تحث على الكراهية ورفض الآخر وتتعارض مع ثقافة السلم والحضارة الكونية " ( ص 41ـ42)
إن رواية خبر النقيشة هي إذن رواية التنوع والصراع . وهي محاولة للبحث عن أشكال جديدة في الكتابة الروائية تقوم على جمع المتناقضات والمنقوصات وهي محاولة للبحث عن مواضيع جديدة تتخذ من اللامعقول بابا لدخول تناقضات هذا العصر ومصير العرب فيه . والرواية في وجه من وجوهها تعبير عن الفوضى بالفوضى وعن الهجين بالهجين وعن جنون العصر بجنون الكتابة . ولعل الكاتب في حاجة إلى أن يسأل نفسه : لماذا لا يقاوم الفوضى بالنظام ؟ ولماذا لا يقاوم الغموض بالوضوح ؟ ولماذا لا يقاوم الجنون بمزيد من العقل ؟ ولماذا لا يقاوم التهجين بمزيد من الأصالة في الكتابة .
زار الصّفحة اليوم (زائر) 2 visiteurs
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement